فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)}.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} أي بصاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم {ليجادلوكم به عند ربكم} أي يقرون بأنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ عليكم الميثاق باتباعه، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كان ينتظر، ونجده في كتابنا اجحدوه ولا تقروا به.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وإذا لقوا الذين آمنوا} الآية. قال: هذه الآية في المنافقين من اليهود.
وقوله: {بما فتح الله عليكم} يعني بما أكرمكم به.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال: «يا إخوان القردة والخنازير، ويا عبدة الطاغوت». فقالوا: من أخبر هذا الأمر محمدًا، ما خرج هذا الأمر إلا منكم {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} بما حكم الله ليكون لهم حجة عليكم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن». فقال: رؤساء اليهود: اذهبوا فقولوا آمنا واكفروا إذا رجعتم إلينا، فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر، وهو قوله: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره} [آل عمران: 72] وكانوا يقولون: إذا دخلوا المدينة نحن مسلمون ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره، فكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون، فيقولون لهم: أليس قد قال لكم في التوراة كذا وكذا؟ فيقولون: بلى. فإذا رجعوا إلى قومهم قالوا {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: نزلت هذه الآية في ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به، فقال بعضهم لبعض {أتحدثونهم بما فتح الله به عليكم} من العذاب ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة: أن امرأة من اليهود أصابت فاحشة، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبتغون منه الحكم رجاء الرخصة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عالمهم وهو ابن صوريا، فقال له: احكم قال: فجبؤه. والتجبئة يحملونه على حمار ويجعلون على وجهه إلى ذنب الحمار. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبحكم الله حكمت؟» قال: لا. ولكن نساءنا كن حسانًا، فأسرع فيهن رجالنا فغيرنا الحكم، وفيه أنزلت {وإذا خلا بعضهم إلى بعض} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} قالوا: هم اليهود، وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، فصانعوهم بذلك ليرضوا عنهم، وإذا خلا بعضهم إلى بعض نهى بعضهم بعضًا أن يحدثوا بما فتح الله عليهم، وبين لهم في كتابه من أمر محمد عليه السلام رفعته ونبوته، وقالوا: إنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا عليكم بذلك عند ربكم {أفلا تعقلون أوَلا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} قال: ما يعلنون من أمرهم وكلامهم إذا لقوا الذين آمنوا، وما يسرون إذا خلا بعضهم إلى بعض من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون} يعني من كفرهم بمحمد وتكذيبهم به {وما يعلنون} حين قالوا للمؤمنين: آمنا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
فصل في إعراب الآية:
قد تقدّم على نظير قوله: {وإذا لَقُوا} في أول السورة وهذه الجملة الشرطية تحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون مستأنفة كاشفة عن أحوال اليهود والمنافقين.
والثاني: أن تكون في محلّ نصب على الحال معطوفة على الجملة الحالية قبلها وهي: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ} والتقدير: كيف تطمعون في إيمانهم وحالهم كيت وكيت؟
وقرأ ابن السّميفع: {لاَقوا} وهو بمعنى {لقوا} فَاعَل بمعنى فَعِل نحو: سافر وطارقت النعل:
وأصل {خلا}: خَلَو قلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وتقدم معنى {خلا} و{إلى} في أول السورة.
قوله: {بِمَا فَتَحَ الله} متعلق بالتحديث قبله، وما موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف، أي: فتحه.
وأجاز أبو البَقَاءِ أن تكون نكرة موصوفة أو مصدرية، أي: شيء فتحه، فالعائد محذوف أيضًا، أو بِفَتْحِ الله عليكم.
وفي جعلها مصدرية إشكال من حيث إنَّ الضمير في قوله بعد ذلك: {لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ} عائد على ما وما المصدرية حرف لا يعود عليها ضمير على المشهورن خلافًا للأخفش، وأبي بكر بن السراج، إلاّ أن يُتَكَلّف فيقال: الضمير يعود على المصدر المفهوم من قوله: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ} أو من قوله: {فتح}، أي: ليحاجُّوكم بالتحديث الذي حدّثتموهم، أو بالفتح الذي فتحه الله عليكم.
والجملة في قوله: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ} في محلّ نصب بالقول، قال القُرْطبي: ومعنى فتح: حكم.
والفتح عند العرب: القضاء والحكم، ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} [الأعراف: 89] أي: الحاكمين.
والفتاح: القاضي بلغة اليمن، يقال: بيني وبينك الفَتّاح، قيل ذلك لأنه ينصر المظلوم على الظالم.
والفتح: النصر، ومنه قوله: {يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ} [البقرة: 89] وقوله: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الفتح} [الأنفال: 19].
قوله: {لِيُحَاجُّوكُمْ} أي: ليخاصموكم، ويحتجوا بقولكم عليكم، وهذه اللام تسمى لام كي بمعنى أنها للتعليل، كما أن كي كذلك لا بمعنى أنها تنصب ما بعدها بإضمار بكي كما سيأتي، وهي حرف جر، وإنما دخلت على الفعل؛ لأنه منصوب بأن المصدرية مقدّرة بعدها، فهو معرب بتأويل المصدر أي: للمُحَاجَّة، فلم تدخل إلاّ على اسم، لكنه غير صريح.
والنصب بأن المضمرة كما تقدم لا بكي خلافًا لابن كَيْسَان والسّيرافي، وإن ظهرت بعدها نحو قوله تعالى: {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ} [الحديد: 23] لأن أن هي أم الباب، فادعاء إضمارها أولى من غيرها.
وقال الكوفيون: النَّصْب باللام نفسها، وأن ما يظهر بعدها من كي، ومن أَنْ إنما هو على سبيل التأكيد، وللاحتجاج موضعٌ غير هذا.
ويجوز إظهار أن وإضمارها بعد هذه اللام إلاَّ في صورة واحدة، وهي إذا وقع بعدها لا نحو قوله: {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ} [الحديد: 29] {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ} [البقرة: 150] وذلك لما يلزم من توالي لاَمَيْنِ، فَيثْقُل اللفظ.
والمشهور في لغة العرب كسر هذه اللام؛ لأنها حرف جر، وفيها لغة شاذة وهي الفتح.
قال الأخفش: لأن الفتح الأصل.
قال خلف الأحمر: هي لغة بني العَنْبَر.
وهذه اللام متعلّقة بقوله: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ}.
وذهب بعضهم إلى أنها متعلّقة ب {فتح} وليس بظاهر؛ لأن المُحَاجَّة ليست علّة للفتح، وإنما هي نشأت عن التحديث، اللّهم إلا أن يقال: تتعلّق به على أنها لام العاقبة، وهو قول قيل به، فصار المعنى أن عاقبة الفتح ومآله صار إلى أن يحاجُّوكم.
أو تقول: إن اللاَّم لام العلة على بابها، وإنما تعلّقت ب {فتح}؛ لأنه سبب للتحديث، والسبب والمسبب في هذا واحد.
والحُجّة: الكلام المستقيم على الإطلاق، ومن ذلك محجّة الطريق، وحاججت فلانًا فحججته أي: غالبته، ومنه الحديث: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى»، وذلك لأن الحجّة نفي الطَّريق المسلوك الموصّلة للمراد.
والضمير في {به} يعود على ما من قوله تعالى: {بِمَا فَتَحَ الله} وقد تقدم أنه يضعف القول بكونها مصدرية، وأنه يجوز أن يعود على أحد المصدرين المفهومين من {أَتُحَدِّثُونَهُمْ} و{فتح}.
قوله: {عِنْدَ رَبِّكُمْ} ظرف معمول لقوله: {لِيُحَاجُّوكُمْ} بمعنى: ليحاجُوكم يوم القيامة، فيكون ذلك زائدًا في ظهور فضيحتكم على رءوس الخَلاَئق في الموقف، فكنى عنه بقوله: {عِنْدَ رَبِّكُمْ} قاله الأصم وغيره.
وقال الحسن: {عند} بمعنى في أي: ليحاجُّوكم في ربكم أي: فيكونون أحقّ به منكم.
وقيل: ثم مضاف محذوف أي: عند ذكر ربكم.
وقال القَفّال رحمه الله تعالى: يقال: فلان عندي عالم أي: في اعتقادي وحُكْمي، وهذا عند الشَّافعي حَلاَل، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى حرام أي: في حكمهما وقوله: {لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} أي: لتصيروا محجوجين عند ربكم بتلك الدلائل في حكم الله.
ونظيره تأويل بعض العلماء قوله: {يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاءِ فأولئك عِندَ الله هُمُ الكاذبون} [النور: 13] أى: في حكم الله وقضائه أن القاذف إذا لم يأت بالشهود لزمه حكم الكاذبين وإن كان في نفسه صادقًا.
وقيل: هو معمول لقوله: {بِمَا فَتَحَ اللهُ} أي: بما فتح الله من عند ربّكم ليحاجّوكم، وهو نَعْته عليه الصلاة والسلام وأخذ ميثاقهم بتصديقه.
ورجّحه بعضهم وقال: هو الصحيح؛ لأن الاحتجاج عليهم هو بما كان في الدّنيا.
وفي هذا نظر من جهة الصناعة، وذلك أن {ليُحَاجُّوكُمْ} متعلق بقوله: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ} على الأظهر كما تقدم، فيلزم الفَصْل به بين العامل وهو {فتح} وبين معمول وهو عند ربك وذلك لا يجوز؛ لأنه أجنبي منهما.
قوله: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} في هذه الجملة قولان:
أحدهما: أنها مندرجة في حَيِّز القول، أي: إذا خَلاَ بعضهم ببعض قالوا لهم: أتحدثونهم بما يرجع وَبَاله عليكم وصِرْتُم محجوجين به، أفلا تعقلون أن ذلك لا يليق، وهذا أظهر لأنه من تمام الحكاية عنهم، فَعَلَى هذا محلها النصب.
والثاني: أنها من خطاب الله تعالى للمؤمنين، وكأنه قدح في إيمانهم، لقوله: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} [البقرة: 75] قاله الحسن.
فعلى هذا لا محلّ له، ومفعول {تعقلون} يجوز أن يكون مرادًا، ويجوز ألاّ يكون. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (77):

قوله تعالى: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ظنهم هذا أقبح الفساد لأنه لو لم يكن علمه من قبل الله لم يقدر غيره أن يعبر عنه بعبارة تعجز الخلائق عن مماثلتها وصل به قوله موبخًا لهم {أولا} أي ألا يعلمون أن علم المؤمنين لذلك لم يكن إلا عن الله لما قام عليه من دليل الإعجاز أو لا {يعلمون أن الله} الذي له الإحاطة بكل شيء {يعلم ما يسرون} أي يخفون من قولهم لأصحابهم ومن غيره {وما يعلنون} أي يظهرون من ذلك فيخبر به أولياءه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {أَوْ لاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} ففيه قولان:
الأول: وهو قول الأكثرين إن اليهود كانوا يعرفون الله ويعرفون أنه تعالى يعلم السر والعلانية فخوفهم الله به.
الثاني: أنهم ما علموا بذلك فرغبهم بهذا القول في أن يتفكروا فيعرفوا أن لهم ربًا يعلم سرهم وعلانيتهم وأنهم لا يأمنون حلول العقاب بسبب نفاقهم، وعلى القولين جميعًا، فهذا الكلام زجر لهم عن النفاق، وعن وصية بعضهم بعضًا بكتمان دلائل نبوة محمد.
والأقرب أن اليهود المخاطبين بذلك كانوا عالمين بذلك، لأنه لا يكاد يقال على طريق الزجر: أولا يعلم كيت وكيت إلا وهو عالم بذلك الشيء، ويكون ذلك الشيء زاجرًا له عن ذلك الفعل، وقال بعضهم: هؤلاء اليهود كيف يستجيزون أن يسر إلى إخوانهم النهي عن إظهار دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهم ليسوا كالمنافين الذين لا يعلمون الله ولا يعلمون كونه عالمًا بالسر والعلانية، فشأنهم من هذه الجهة أعجب. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أوَ لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون}: هذا توبيخ من الله لهم، أي إذا كان علم الله محيطًا بجميع أفعالهم، وهم عالمون بذلك، فكيف يسوغ لهم أن ينافقوا ويتظاهروا للمؤمنين بما يعلم الله منهم خلافه، فلا يجامع حالة نفاقهم بحالة علمهم بأن الله عالم بذلك والأولى حمل ما يسرون وما يعلنون على العموم، إذ هو ظاهر اللفظ.
وقيل: الذي أسرّوه الكفر، والذي أعلنوه الإيمان.
وقيل: العداوة والصداقة.
وقيل: قولهم لشياطينهم إنا معكم، وقولهم للمؤمنين آمنا.
وقيل: صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وتغيير صفته إلى صفة أخرى، حتى لا تقوم عليهم الحجة.
وقرأ ابن محيصن: أو لا تعلمون بالتاء، قالوا: فيكون ذلك خطابًا للمؤمنين، وفيه تنبيه لهم على جهلهم بعالم السر والعلانية، ويحتمل أن يكون خطابًا لهم، وفائدته التنبيه على سماع ما يأتي بعده، ثم أعرض عن خطابهم وأعاد الضمير إلى الغيبة، إهمالًا لهم، فيكون ذلك من باب الالتفات، ويكون حكمته في الحالتين ما ذكرناه. اهـ.